ثقافة عامة

ملخص الرواية الذي حازت على إعجاب الملايين “شقة في باريس”

ملخص الرواية الذي حازت على إعجاب الملايين "شقة في باريس"

 بالنسبة لشاب وفتاة في الأربعينيات من العمر التقيا في شقة استأجرها كليهما و”كانت ملكهما لعدة أيام” كانا يتوقعا أن يتلاشى الاشمئزاز الأولي ويتحول تقدم الرواية إلى قصة حب ولكن الأحداث خاصة أننا نتحدث عن خمسمائة صفحة المفارقة الأولى هي أن الشقة يجب أن تُستأجر من جانبين في نفس الوقت والأمر الذي أثبت على الفور أنه خطأ إعلاني على الإنترنت وبمجرد دخول الكاتب المسرحي الشاب غاسبر إلى قاعة المنزل  أذهله امرأة نصف عارية خرجت من الحمام وقد صدمته الصدمة العنيفة عندما سألها عن سبب وجودها في منزله ، أجابت أن هذا هو السؤال الذي طرحته عليه.

وكانت هناك أسباب عديدة للاستياء من الوضع الذي وقعا فيه فتستأجر كل منهما منازل في ضواحي شبه ريفية لأن لكل منها أسبابه الخاصة  فهو كاتب مسرحي مشهور وتؤدي مسرحياته على أكثر من مسرح في العالم حتى نقول: هو شاب ثري وأما مادلين فهي عملت كمحققة جنائية في المملكة المتحدة لفترة طويلة وكانت محبطة بسبب ارتكاب خطأ في إحدى القضايا مما أدى إلى طردها ولاحقًا اكتشفت أنها كانت على صواب وتم إصلاحها لكنها اختارت أن تجمد وظيفتها في نيويورك مما أدى الوضع إلى الملل لذلك قررت الاستقالة فهي قد جمعت مبلغًا صغيرًا من المال لتأهيلها لعيش حياة مريحة.

يستأجر غاسبار المنزل ليتفرغ لكتابة عمل مسرحي جديد، ومادلين تستأجره محطة ترتاح فيها قبل عملية جراحية تنتظرها في مدريد، لتعود لقضاء نقاهة في المنزل بعد العملية هذه هي القاعدة التي تبدأ الرواية معمارها فوقها، من دون إغفال لتفاصيل تخص شخصية كل منهما وهو بالطبع لا يستطيع الكتابة طالما هنالك شخص آخر في المنزل، وهي لا تستطيع الحصول على الراحة المطلوبة لا قبل العملية ولا بعدها.

يتحرك الفضول الإنساني لاكتشاف المنزل. يعرف كلاهما أنه ما تبقى من ثروة رسام شهير يدعى شون لورينز، ولا يوجد أحد مهتم بالثقافة والفنون إلا وعرفه وقرأ عنه وشاهد لوحاته، سواء على نحو مباشر أم غير مباشر ويتأملان أثاث المنزل واللوحات والصور الفوتوغرافية، ويعرفان من الوصي على تركة لورينز أن الرسام فقدَ ابنه الصغير على أيدي عصابة مجهولة تتناول الرواية (صدرت عن المركز الثقافي العربي 2020م، ترجمة حسين عمر) مرحلة الثمانينيات في نيويورك حيث معدلات الجريمة العالية والفوضى والمخدرات، إلى الحد الذي أصبحت فيه نيويورك مدينة مخيفة.

فالسرقات لا توقف بل تزيد نسبتها، والجرائم تتنوع، والخوف يخيم على المدينة، وهي المرحلة التي شهدت تغوّل وول ستريت على المدينة، بل على البلاد كلها تقريبًا.

الراحل الرسام الشاب أقامت مادلين والرسام علاقة ودية فبدأ في الكشف عن بعض المعلومات عن الرسام الراحل عندما كان صغيراً بينما بحث غاسبر في وثائق لورينز في المنزل ووجد بعض المعلومات أخيرًا ظهرت بعض الحقائق المخفية وراء أكثر من جريمة  بما في ذلك مقتل إبن الرسام لورنز وهنا يجب الانتباه إلى قضيتين: الأولى أن حالة من الانسجام والصداقة قد تطورت بين مادلين وغاسبار والأخرى أن الشخصية الغريبة للرسام قد ظهرت ، وقد قفز إلى بطل الرواية لكن الجدير بالذكر أن الاثنين أظهروا نفس الاهتمام في الكشف عن بعض الألغاز حول اختطاف إبن الرسام  وموته وتجاهل كل منهما السبب الرئيسي لمجيئهما إلى باريس.

هذه التقنية الروائية الفريدة، تجعل من الرواية البوليسية أكثر من مجرد متابعة قاتل غامض، فهنالك حياة ثرية وإنسانية يطلعنا عليها الروائي تدريجيًّا، بحيث نتعاطف أحيانًا مع بعض القتلة من دون أن ندرك ذلك. ونود لو تأخذ الرواية منحًى يلامس عاطفتنا، لكنها لا تفعل ذلك دائمًا. نعرف من الوصي أن شون لورينز توقَّف عن الرسم تمامًا بعد اختطاف ابنه وقتله. ثم نكتشف أن هنالك ثلاث لوحات رسمها لورينز بعد هذه الحادثة، وهي مفقودة تمامًا.

نتذكر على الفور رواية هاروكي موراكامي «مقتل الكومانداتور» حيث يقيم رسام البورتريه في منزل رسام ياباني شهير، ويكتشف مصادفةً أن هنالك لوحة مغلفة للرسام الشهير لم يرَها أحد، ما يوجه اهتمام رسام البورتريه إلى هذه اللوحة التي لا يعرف بها أحد حتى ابن الرسام الشهير نفسه هنا يبدأ غاسبار الكاتب والمحققة السابقة مادلين في البحث عن هذه اللوحات الثلاث، حيث تدرك مادلين أن كل تفصيل مهما كان دقيقًا ربما يكون مفيدًا أو علامة على طريق الكشف وهو ما يفعله رسام البورتريه في مقتل الكومانداتور، حيث يتابع ضربة فرشاة أو درجة لون أو تكوينًا أو توازنًا هنا وخللًا هناك؛ ليعرف في النهاية المعنى الذي أراد الرسام الشهير تضمينه في تلك اللوحة ولكن هنا يبرز سؤال لا بد منه، وهو: كيف أصبح شون لورينز رسامًا؟ وكيف اكتسب هذه الشهرة؟ وهل لطفولته علاقة بالأمر؟

وفي أواخر الثمانينيات شكل هو وشخصان آخران عصابة أطلقوا على أنفسهم اسم دائرة الأسهم النارية  سرق بعض الأشياء البسيطة لكن أهم شيء كان تحوله في فن الجرافيتي حيث رأى أنه يحمل دائمًا صندوق ألوان في يده ، بدأت لوحاته في عربات المترو والأنفاق ونوافذ المتاجر وجدران المباني ورسومات الشوارع وازدادت أضعافًا مضاعفة وهكذا اكتشف الرسام  وسرعان ما أصبح أحد رموز الفنون الجميلة في الولايات المتحدة وأرتفع سعر لوحاته شيئًا فشيئًا حتى يصبح فنانًا ثريًا لكنه لا يزال انطوائيًا ولا يحب الظهور في وسائل الإعلام ، ويعتقد وكيل أعماله كارين أن هذا محفز لمزيد من الشهرة.

هل كان هناك توافق بين الكاتب المسرحي جاسبر والرسام لورينز؟ يخبرنا الروائي أن هذا الكاتب المسرحي معروف بأنه معزول ويكره الآخرين ولا يتفاعل مع أي شخص وهو يعيش في الجزر اليونانية لمدة ستة أشهر تقريبًا كل عام ، حيث يمتلك شقة وقاربًا ، ويعيش في اليونان. الجزر خلال ذروة الموسم السياحي والعودة إلى نيويورك إذا علمنا أن الرسام لورنز تزوج وأنجب أطفالًا ، ثم انفصل عن زوجته ، فسوف ندرك أوجه التشابه بين الدورين. كلاهما مبدع ، كلاهما وحيد ، وليس لهما علاقة شخصية مع أي شخص ، لذلك لم يستخدم الكاتب المسرحي جاسبر التكنولوجيا الحديثة ، ولا يكتب ولا يقرأ ، ولا يتواصل مع أي شخص. وبقدر ما لم يكن يحمل هاتفه الخلوي ، لم يستطع لا تستخدمه أيضًا. كلاهما معروف على الصعيد الوطني. ربما لولا هذه التشابهات لما تناول الكاتب غاسبار موضوع الرسام وما حدث له هو وابنه بمعنى ما ، يسعى المؤلف إلى شيء آخر غير المجرمين أو القدر الغامض من خلال متابعة الرسام وقصته.

هل ثمة شيء من التوافق بين الكاتب المسرحي غاسبار والرسام لورينز؟ يخبرنا الروائي أن الكاتب المسرحي معروف بعزلته وبُغضه الناس وعدم اختلاطه بأحد، وهو يعيش قرابة ستة أشهر سنويًّا في أرخبيل الجزر اليونانية حيث يمتلك شقة وقاربًا، ويغادر الأرخبيل في موسم السياحة اليوناني، فيعود إلى نيويورك وإذا ما عرفنا أن الرسام لورينز تزوج وأنجب طفلًا ثم انفصل عن زوجته، أدركنا حجم التشابه في الشخصيتين. كلاهما مبدع، وكلاهما من أبناء العزلة، وكلاهما لا يقيمان علاقات شخصية بأحد، حتى إن الكاتب المسرحي غاسبار لا يستخدم وسائل التقنية الحديثة، لا للكتابة والقراءة، ولا للتواصل مع أحد، لدرجة أنه لا يحمل هاتفًا ولا يجيد استخدامه. وكلاهما معروف على نطاق البلاد وربما لولا هذه التشابهات ما كان الكاتب غاسبار لينخرط في موضوع الرسام وما حدث معه وله ولابنه بمعنى أن الكاتب كان يبحث من خلال متابعته قضية الرسام وحكايته عن شيء آخر غير المجرمين أو المصاير الغامضة.

كانت الحياة للكاتب غاسبار، عبثية وبلا جدوى، ولا تستحق أي عناء، وكان يرى في العلاقات مجرد استعراضات وديكورات هامشية لا معنى لها لكن اختطاف طفل وقتله ذبحًا أيقظ فيه كثيرًا من المشاعر، خصوصًا حين يعرف تداعيات هذا الفعل الإجرامي على حياة الرسام شون شيء ما في داخله أنساه المسرحية التي جاء لكتابتها وتبع مشاعره الكامنة بوصفه إنسانًا لقد تمكنت حادثة واحدة عرفها من قرب، أن تجعله يخاطر أحيانًا بحياته وهو يلاحق التفاصيل والأخبار والأسماء والأماكن الخطرة والمجرمين القتلة لقد أجرى الرسام لورينز عمليتين في القلب، لكنه توفي بعد عملية خطف ابنه ومقتله، وكان هو في طريقه إلى مكتب مادلين التي كانت تخلَّت عن عملها في ذلك الوقت كانت تلك مأساة حقيقية، خصوصًا أن الرسام كان بلا قريب أو صديق، إذا استثنينا ضابط شرطة يدعى أدريانو سوتوماير، كان يشكل معه وفتاة تشيلية مجموعة الأسهم النارية لكن سوتوماير يُقتل قرب المكتب، لنكتشف أن شون لورينز كان ذاهبًا لمقابلته لا لمقابلة مادلين لقد تخلَّت مادلين عن عمليتها التي كانت تتضمن تلقيح إحدى بويضاتها لتنجب طفلًا، وتخلى غاسبار عن مسرحيته ليتفرغا معًا لمتابعة مأساة شون لورينز وابنه.

بياض يغطي مساحة اللوحة كان الكاتب غاسبار يكتشف في كل خطوة يخطوها أنه يزداد تصميمًا على معرفة ما حدث ولذلك أخذته الصدمة حين عُثِر على اللوحات الثلاث المفقودة لشون لورينز كان يحدق غير مصدق هذا البياض الممتدّ الذي يغطي مساحة اللوحة لكن ما جذبه أكثر هي تلك اللوحة التي رسمها شون، كترجمة لونية لإحدى حكايات الأطفال كانت مكونات الحكاية التي كان يحكيها ليليًّا لابنه، موجودة في اللوحة، لكن لورينز أضاف الحمار الوحشي غير الموجود أصلًا في الحكاية، وهو الأمر الذي أثار مخيلتي غاسبار ومادلين ماذا كانت تعني تلك الخطوط السوداء والبيضاء؟ وبعد جهد جهيد يتمكن الاثنان من تركيب بعض الحروف من خلال تلك الخطوط، ليكتشفا جملة تقول: «جوليان حي»! وجوليان هو ابن الرسام لورينز كان هذا أحد ألغاز الرواية؛ فقد صُوِّرت عملية طعن جوليان وشاهدها الجميع، وهو ما جعل مادلين وغاسبار يحاران في الأمر؛ فهما قد شاهدا عملية القتل، كما أنهما لا يعرفان كيف تمكن الرسام لورينز من تأكيد مقولته، وهو ما جعله يحاول إيصالها لعدد ممن هم قادرون على إنقاذ ابنه!

ولق تمكن الأتنان وأخيرًا على الطفل وأعادنا المؤلف إلى بداية الرواية عندما جاءت مادلين لاستئجار منزل كان طفل يلعب في طائرة صغيرة وقال بصوت عالٍ، فحين جاءت مادلين لاستئجار المنزل كان ثمة طفل يلعب بطائرة صغيرة، ويقول بصوت عال: « إنها تطير يا ماما» ويقول الجملة نفسها قرب غاسبار: «يا بابا» لقد اكتشف غاسبار ذاته المفقودة؛ ذاته التي نخرها العبث في عزلته وفي بُغضه الآخرين كان يبتعد من الآخرين لأنه ربما يخشاهم ويخشى ما يترتب على علاقاته بهم لا أستطيع تلخيص الرواية المليئة بالتفاصيل، ولكنني أشدد على أن الجريمة أو المأساة كانت سبيلًا لإيقاظ روح إنسان كان يدرك في أعماقه أنه ليس حيًّا تمامًا، على الرغم من ثرائه والامتيازات التي يحظى بها.

وكما انفصل شون لورينز عن زوجته عارضة الأزياء، ينفصل غاسبار عن ماضيه العبثي، وتقلع مادلين عن فكرة الإنجاب بالتلقيح الخارجي؛ لأن الاثنين نراهما وجوليان ابن الرسام معًا في المنزل كان لورينز مقبلًا على الحياة محبًّا لها، لكنه أصيب بعطب في قلبه سلبه حياته واستمتاعه بابنه بعد حياة الفقر والبؤس التي عاشها صبيًّا ومراهقًا مطارَدًا بينما غاسبار كان يدير ظهره للحياة لأنه لا يراها، إلى أن اكتشفها في شغف لورينز بالرسم وفي حبه ابنه الطفل، حتى في حبه زوجته بينيلوب التي يرسمها أكثر من عشرين مرة. لقد اكتشفت بينيلوب أن فن لورينز يعيش على حياة الناس كما قالت لغاسبار، حيث تزداد لوحاته التي استلهمها منها جمالًا، بينما هي تتقدم في العمر وتذوي. إنها رواية بليغة عن الحياة، في جوانبها المختلفة كلها.

Shahd Bali

كاتبة ومحررة في موقع عالمك العربي، متخصصة في كتابة المقالات التثقيفية والتوعوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى