ثقافة عامة

ماتت جدتي وسقطت قبعة رأسي ونسيت ارتداء حذائي ولم ينبهني احد!

ماتت جدتي وسقطت قبعة رأسي ونسيت ارتداء حذائي ولم ينبهني احد

هطل المطر بعدك كثيرا يا جدتي وعزف أنشودته على أجهزة التكييف القديمة بلل أرضية المنزل القديم وسقى جذور بقايا الشجر ونادي الرفاق الصغار بأحب الأسماء إليهم لكن لم يجبه أحد.. ولم يلتفت إليه منهم أحد جميعهم كبروا ياجدتي.. وحين كبروا تغيروا كثيراً.

هطل المطر بعدك كثيراً ياجدتي ولم ينبهني أحد أن أرتدي حذائي كي لا أمرض ولم يحذرني أحد أن أغطي شعري كي لا أبرد ولم ينصحني أحد ألا ألعب تحت الماء ولم يناد علي أحد كي لا أبتعد عن الدار عند اشتداد الرياح وحده صوتك المزروع في أذني برغم السنوات كان يرافقني تحت المطر وكان يحذرني تحت المطر هطل المطر بعدك كثيرة ياجدتي وكنت أقف تحته وحدي أتلفت حولي لم يكن معي رفاقي الصغار. كانت قدماي وحدهما المدفونتين في تراب الدار وكان جسدي وحده المتراقص بفرح تحت الرذاذ وكنت الطفلة الوحيدة على الطريق المهجور كأنهم كبروا جميعا.

 ونسوني في الطفولة وحدي هطل المطر بعدك كثيراً ياجدتي وكلما هطل سرت على ذلك الطريق ووقفت أمام ذلك المنزل القديم فيخيل إلي أني أسمع أصوات أقدام رفاقي وهو يتراكضون على الطرقات القديمة وتضج ضحكاتهم في فضاء المكان وهم يلعبون. و يركضون ويتنادون بأسوأ الأسماء إليهم فأتذكر, وأحن فمع الوقت, تصبح الأماكن المهجورة صناديق ذکری وحنين هطل المطر بعدك كثيرة ياجدتي وكلما هطل أخذتني لهفتي إلى الدار المغلقة فأتجول في الحي بغربة العائد بعد سنوات لعل صدفة ما تجمعني بجدي العائد من الصلاه وهو يتكئ على عصاه.

أو ألتقيك مبتسمة بعباءتك التي وضعت على رأسك بوجهك الأبيض الذي يستره البرقع الصغير بقامتك التي رغم قصرها كانت تزروع الهيبة أينما وجدت أسير. وألتفت خلفي كثيرة فربما التقيتك على الطريق القديم ياجدتي وفككت عقدة في غطاء رأسك الأسود وأخرجت لي منها بعض الحلوى. أو دراهم معدنية آه يا جدتي كانت قطع الحلوى والدراهم تلك, أفراح طفولة لاتتكرر في العمر هطل المطر بعدك كثيرة باحدثي وغنيت تحته كثيرة.ربما لم أكن أغنى ربما كنت أنادي بالغناء أحبة غيبتهم الحياة لكن لا أحد حين يغيب. يعيده النداء فحتى أنت منذ أن غبتي لم تعودي فهناك ياجدتي نوع من الغياب. حين يرحل بهم يوضع بيننا وبينهم نهاية لا أبواب ولا نوافذ ولا ثقوب في جدرانها.

 كي نتسلل أو يتسللون منها إلينا إنه غياب الموت ياجدتي لم يكن هطل المطر بعدك كثيرا ياجدتي أحمد معي تحت المطر أحمد الذي غادر بلا رؤية في منام و بلا حقد إخوة وبلا قميص وبلا مكيدة ولاذئاب ولا سيارة التقطته من غياهب الجب ولا عزیز مصر يتخذه ولدا أحمد غادر بابتسامة ووعد عظيم أخفيته بداخلي كلما كبرت أنا. كلما صدق هو هطل المطر بعدك كثيرة ياجدتي واختبأ الرفاق في منازلهم الجديدة تغيرت المنازل كثيرة ورصفت الأرضيات. وزینت الطرقات بالأنوار لكني مازلت أحن ياجدتي إلى العمر القديم. إلى أرضية التراب إلى الطريق المظلم إلى المنزل القديم إلى منزل خالتي فاطمة.

Shahd Bali

كاتبة ومحررة في موقع عالمك العربي، متخصصة في كتابة المقالات التثقيفية والتوعوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى