ثقافة عامة

ومن أجمل قصص الحب التي مرت على كل العصور

ومن أجمل قصص الحب التي مرت على كل العصور

عمرو بن العاص كلما كان يعود من تجاراته يذهب ركضاً إلى منزل خالته السيدة خديجة رضي الله عنها بها وكان كل يوم يزداد حبه لزينب ابنة خالته يوما بعد يوم.

كان يشرب من عينيها الصافية حتى امتلأت وكانت ابتسامة زينب تخفف من هموم السفر وآلام الحنين والشوقله  فقام بعصف ذهني وجمع كل قوته وذهب إلى والدها قائلاً: أريد الزواج من زينب، إبنتك الكبرى.

فأجاب النبي عليه الصلاة والسلام: لا أفعل حتى أستاذنها ويدخل النبي صلى الله عليه وسلم على ابنته زينب ويقول لها “ابن خالتك جاءني وقد ذكر اسمك فهل ترضينه زوجا لك؟”. ﻓﺎﺣﻤرّ وجهها وابتسمت.

ولما أنضم إليه النبي صلى الله عليه وسلم ووافق على الزواج من زينب، فغار كل شباب القريش من عمروأبي العاص بن الربيع تدين قريشة الأنبياء لأن عاداتهم أقرت بأن ابن العم أهم من ابن الخالة.

تزوجت أختها أم كلثوم من رقية باولاد عمهماعتبة وعتيبة، ولم تتوقع أحداً منهم يذكر “حماتهم” في القرآن في القرآن وأن ينعتها الله بحمالة الحطب.

فقد عاشتا في كنفها قبل البعثة والقرآن لم ينزل بعد،غير أن السيدة خديجة انقبض قلبها حين قدم وفد من آل عبد المطلب لطلب يد ابنتيها لولدي أم جميل.

لأنها كانت تعرف قسوة طبعها وحدة لسانها وقوة شخصيتها على زوجها أبي لهب وابنيها عتبة وعتيبة وكانت تحس بسواد قلبها.

لما أشرقت الأرض بنور ربها وبعث النبي صلى الله عليه وسلم، أعلنت قريش الحرب عليه، مستهدفة، من بين ما استهدفت، عاطفة الأبوة في قلبه:

“ردوا عليه بناته” قالت قريش وذهب عتبة زوج السيدة أم كلثوم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا: “كفرت بدينك وفارقت ابنتك، لا تحبني ولا أحبك”.

ثم دنا من الرسول عليه السلام وشده من قميصه الشريف فمزقه أما أخوه عتيبة فقد طلق السيدة رقية عندما قالت له أمه: “طلق ابنة محمد ونزوجك أي امرأة من قريش شئت”.

وانتظرت السيدة زينب عودة زوجها وابن خالتها الغائب من التجارة في بلاد الشام لإبلاغه بالإسلام فقال غاضبًا: “لن اومن بأبيك ولا برسالته”، ثم غادر منزله غاضباً.

كان يخشى أن تقول الناس عنه إنه تخلى عن دين والده من أجل إرضاء زوجته وكان محتار في مايتعلق بدينه أما عن حياته العلمانية، فقد صرح بوضوح لسادت قريش: “لا، والله لا أفارق صاحبتي ولا يعوضني عنها أن لي أفضل إمرأة في قريش”.

عندما عاد إلى المنزل استقبله ابنه علي وابنته إمامه حملهما على كتفيه واقترب من حبيبته زينب: لن ينال مما بيننا يا زينب أن تكوني على دينك وأثبت على ديني”.

أجابته: “قليلاً يا صاحبي، لستُ حلاً لك، وأنت على ذلك الدين، فأسلمني إلى أبي أو أسلم معي.. لن تكون زينب لك بعد اليوم إلا أن تؤمن بما آمنت”.

لا شك أن شجونا طويلة اعتملت بقلب الرسول صلى الله عليه وسلم حين جاءته ابنته زينب: “يا رسول الله.. أتأذن لي أن أبقى مع زوجي؟”، فقال النبي: “ابق مع زوجك وأولادك..”.

هاجر المسلمون إلى المدينة ﻭﻇﻠﺖ السيدة زينب بمكة على أمل أن يهدى الله حبيبها للإسلام.. ثم دقت طبول الحرب، وخرجت قريش في جيش مخيف.

عندما ودع ابن العاص ابنته إمامة وابنه علي كان في محنة وخائفاً فأكثر ما أحزنه هو الحزن الذي بينه و بين زوجته وحبيبته زينب أغمض عينيه وتنهد بحزن.

ثم امتطى حصانه وانضم إلى جبهة جيش قريش وقفت السيدة زينب تحمل ابنتها الصغيرة أمام باب منزلها تراقب زوجها المشرك ذاهب لقتال والدها النبي عانقتها ابنتها وقالت لها: لن تطلع علينا الشمس يا إبنتي في مثل يومنا هذا إلا وإحدانا يتيمة.

دخلت عليها عمتها عاتكة تخبرها بانتصار أبيها في بدر فسجدت شكرا لله، ثم سألت عمتها: “وماذا فعل زوجي؟”، أطرقت عاتكة رأسها في حزن حتى كاد قلب زينب ينفطر: “لم يقتل زوجك ولكنه أسير”.

لم تكن عائلة أبو العاص ينقصها المال لتفتدي به ابنها الأسير، لكن زينب اختارت أن تفك أسر زوجها بطريقتها.

جلس شقيق بن العاص بين يدى رسول الله قائلا: “بعثتني زينب بهذا فداء لزوجها”، ثم أخرج صرة ووضعها بين يدى النبي، فتح سيدنا النبي الصرة فوجد قلادة خديجة التي أهدتها لزينب في عرسها، فخفق قلبه وارتعش.

وجد ابنته بهذه القلادة تذكره بالحب الذى كان بينه وبين خديجة.. كانت تذكره بأن ابن العاص زوج وحبيب وابن خالة.. كانت تذكره بأنه ليس من طرف زينب فقط ولكن من طرف خديجة حبيبته أيضا كان الموقف مؤثرا.

سالت دموع أصحاب الرسول من جلال الموقف وروعته. صمت النبي قبل أن يقول لأصحابه: “إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا”.

ففعلوا..

أعطاه النبي العقد، ثم قال له: “قل لزينب لا تفرطي في عقد خديجة”، ثم قال عليه السلام: “يا أبا العاص هل لك أن أساررك؟” ثم تنحى جانبا وقال له:

“يا أبا العاص إن الله أمرني ﺃن أفرق بين مسلمة وكافر، فهلا رددت إلي ابنتي؟” فقال: نعم ثم استدار عائدا إلى مكة وهو لا يدري كيف سيتسع قلبه الصغير لأحزان في رحابة الأفق.

خرجت زينب تستقبل أبا العاص على أبواب مكة، لم تكن تدرك أن الحب الذى كَتب لزوجها حياة جديدة كان هو نفسه الثمن، “عودي إلى أبيكِ يا زينب”.

خنقته العبرة، فما استطاع أن يتمالك نفسه، ولا أن يُشيّعها إلى أطراف البادية حيث كان في انتظارها خارج مكة زيد بن حارثة ورجل من الأنصار!

ومضى يقول لأخيه كنانة بن الربيع: “يا أخي إنك لتعلم موضعها من نفسي، فما أحبّ أن لي امرأه من قريش غيرها، وإنك لتعلم ألا طاقة لي بأن أفارقها، فاصحبها عني إلى طرف البادية حيث ينتظر رسولا محمد.

وأرفق بها في السفر، وارعها رعاية الحرمات، ولو نثرت عليها كنانتك (أي لا تدخر جهداً حتى آخر سهم) لا يرنو منها رجل حتى تبلغ” أي حتى تصل المدينة.

رفضت زينب الرسالة لمدة ست سنوات، على أمل أن يعود إليها زوجها وعشيقها وأب طفليها وابن خالتها وذات ليلة قبل طلوع الفجر طرق بابها فلما رأته بقلق سألته: هل أتيت مسلماً؟

قال بل جئت هارباً: “هل تقبل الإسلام؟”سألته وبصيص أمل يلوح في الأفق: “فهل لك أن تسلم؟”، فرفض فقالت بصوت متحسر وحزين: “لا تخف مرحبا بابن الخالة. مرحبا بأبي علي وأمامة.

أخبرها أبو العاص أنه كان يقود قافلة بيع من قريش إلى بلاد الشام، وعندما عاد وجد سرًا من المسلمين فكان قد أسروا كل ماله من حمولات فهرب وتسلل إلى هناك حتى الوصول إلى الخيمتها.

عندما رأته يدخلها ، لم يدرك أن روحها قد عادت إليها ولما كان نبينا يؤم المسلمين في صلاة الفجر، قبل أن ينهي صلاته سمع صوتا يقول: “أيها الناس إني أجرت أبا العاص”.

علم النبي أنه صوت زينب فكان على حق فقال للمؤمينين: ““أما والذى نفس محمد بيده.. ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتم”، وصمت.

فقالت زينب: “يا رسول الله إنّ أبا العاص إن بعُد فابن الخالة وإنْ قرب فأبو الولد وقد أجرته يا رسول الله”، فقال النبي: “يا أيها الناس إنّ هذا الرجل ما ذممته صهرًا.

وإنّ هذا الرجل حدثني فصدقني ووعدني فوفّى لي. فإن قبلتم أن تردوا إليه ماله وأن تتركوه يعود إلى بلده، فهذا أحب إلي. وإنُ أبيتم فالأمر إليكم والحق لكم ولا ألومكم عليه”.

فقال الناس: بل نعطه ماله يا رسول الله. فقال النبي: قد أجرنا من أجرتِ يا زينب. ثم ذهب إليها عند بيتها، وقال لها: “يا زينب أكرمي مثواه فإنّه ابن خالتك وإنّه أبو العيال، ولكن لا يقربنك، فإنّه لا يحل لك”. فقالت: نعم يا رسول الله.

نظرت زينب إلى أبي العاص قائلة: “فيم هذا العذاب؟ يا أبا العاص أهان عليك فراقنا. هل لك إلى أنْ تُسْلم وتبقى معنا”. فقال: “حتى يقضى الله فينا أمره”، فقالت: “يرحمنا الله”.

* أمام الكعبة وقف أبو العاص يوزع أموال التجارة الرابحة على أصحابها.. وبعد أن فرغ قال: “يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟”.

فقالوا: “لا.. جزاك الله خيرا فقد وجدناك وفيا كريما”. فنظر إليهم ورفع صوته قائلا: إذن فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.

* دخل المدينة فجرًا وتوجه إلى النبي، وقال: “يا رسول الله أجرتني بالأمس واليوم جئت أقول أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله”، ثم أضاف برقة: “يا رسول الله هل تأذن لي أنْ أراجع زينب؟”.

فأخذه النبي وقال: تعال معي ووقف على بيت زينب وطرق الباب، وقال: “يا زينب إنّ ابن خالتك جاء لي اليوم يستأذنني أنْ يراجعك فهل تقبلين؟”. فأحمرّ وجهها وابتسمت.

* عاش أبو العاص مع زينب عاما بعد أن زوجه النبي إياها من جديد.. ثم ماتت زينب رضي الله عنها وأرضاها.. فبكاها بكاءً شديدًا حتى رأى الناس رسول الله يمسح عليه ويهون عليه.

فيقول له: “والله يا رسول الله ما عدت أطيق الدنيا بغير زينب”. فمات بعد سنه من موت زينب.

Shahd Bali

كاتبة ومحررة في موقع عالمك العربي، متخصصة في كتابة المقالات التثقيفية والتوعوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى