ثقافة عامة

(إسطنبول) وكأن بعض المدن رفيقة عمر ذلك العمر الذي لن ينتهي

إسطنبول وكأن بعض المدن رفيقة عمر هذا العمر الذي لن ينتهي

 كل المتناقضات الجميلة باسطنبول. كأنها أكثر من مدينة وأكثر من محطة وأكثر من حكاية ، وأكثر من مرحلة ، وأكثر أحيانا وفنية كصديقة قديمة. تنصت لهمومك باهتمام فنهرول بين طرقاتها بفرح وكأنك ستلتقي في أخر الطريق رفاقاً غيبتهم الحياة . وأكثر من فهي وتحفظ أسرارك بحرم وهي مرعبة أحيانا كبحر ثائر يجرف إلى عمقه كل الأشياء ولا يهتم باستغاثات غريق .. وحزينة هي أحيانا كمجموعة من الغرباء. يبحثون عن وطن بديل الايدفؤون أبدا وأحيانا هي كرفيقة طفولة .. تركض معك في الطرقات . وتلعب معك تحت المطر .. إسطنبول مدينة تولد في داخلك حالة حنين وفقد .. فتبحث بين طرقاتها عن شيء ما .. حتى لو لم يكن لديك بها شې ضائع غيبتهم الحياة .. أو أصدقاء عمر غيبتهم المواقف .

 ففي شوارع إسطنبول تباع الحلوى ، وتباع الألعاب ، وتباع أطواق الفل وعقود الياسمين ويسرد الباعة عن بضاعتهم قصصا خرافية مسلية في شوارع إسطنبول تبيع المرأة المسنة الورد للعشاق ويضع الفرسان أطواق الورد على رؤوس أميرات حكاياتهم في شوارع إسطنبول يسرد الرجل المسن حكاياته المعتقة بالحنين على المارة وتقرأ في عينيه من قصص السنين أكثر مما يسرد ..

 في شوارع إسطنبول يستند الفقراء إلى الجدران بصمت .. كأن الحاجة أثقلت كواهلهم فأقعدتهم حتى عن السؤال في شوارع اسطنبول يستوقفك رجل عربي يبيع السبحات ليسرد عليك مرارة معاناته بعيدا عن وطنه .. ويستنجد بك باسم الدين والعروبة واللغة ، في شوارع إسطنبول لايتوقف المارة بفضول لمتابعة تفاصيل سواهم ولاتتبعك الأعين لتخترق أسوار خصوصیاتك بتطفل مقيت

 في شوارع إسطنبول تشم رائحة الذرة والكستناء المشوية . والخبز الطازج والقهوة التركية فينتشر في داخلك عطر المدينة الخاص في شوارع إسطنبول تمر على الكثير من المباني القديمة المتهالكة التي تقاوم الزمن بكل شموخ رغم الحزن المرسوم عليها .. كأن لها ذاكرة وقلبة .. فتتذكر وتحزن في شوارع إسطنبول يلحق بك طفل دفعنه الحاجة لنسيان طفولته والسير خلفك وفي يده الصغيرة منديل … يقدمه لك ببراءة … وتأخذه بحزن

 في شوارع إسطنبول يعلو صوت ا الأذان بصوت تقشعر لروعته الأبدان .. وتذكرك كثرة الجوامع وضخامتها كم كان الإسلام هنا عظيمة في شوارع إسطنبول يمر أمامك القطار مسرعة كأنه أخر القطارات على محطة عاشقة طال انتظارها لغائب أخلف وعده .

في شوارع إسطنبول يلعب المطر بعجلة عمري ويعيدني طفلة بمريولها المدرسي الأخضر .. فيخيل إلي أن عربة بائع الذرة هي عربة بائع اللعب .. ذلك الذي كان مروره في الحي القديم فأتمنى لو أتوقف أمامه .. وأنتقي عروسة بملابس مزخرفة وشعر أصفر . تشبه صديقة طفولتي ( سيلفانا ) تلك الطفلة العربية العالقة بأطراف ذاكرتي .. و التي حين غادرت إلى وطنها حزنت كثيرة . وأوصتني جدتي يومها بألا اتعلق بالغرباء تجنبا للألم عند رحيلهم !

Shahd Bali

كاتبة ومحررة في موقع عالمك العربي، متخصصة في كتابة المقالات التثقيفية والتوعوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى